لا تصيبونا بالعين (1)
بقلم: خطيب بدلة
من أجمل الأشخاص الذين تعرفت عليهم خلال السنوات العشر الماضية طبيبٌ بارع في اختصاصه، جميل في تعامله، صديق لا يشبه أحداً بين الأصدقاء، اسمه نشأت خوري، وهو في مدينة حلب وريفها أشهرُ بكثير من أن يُعَرَّف.
وإن كنت لا ألتقي بالصديق نشأت خوري إلا قليلاً- بحكم إقامتي الأزلية في إدلب الخضراء التي يسميها البعض (مقبرة المواهب)-.. ولكنني أكلمه في الموبايل غالباً. ومعروف عنه أنه بمجرد ما يدخل العيادة يسحب فيش الهاتف الأرضي، لأنه لا يستطيع استقبال المزيد من المرضى خلال وقت الدوام، وبالنسبة للموبايل فهو لا يرد إلا على أشخاص قلة، منهم الداعي لكم،.. وأنا بصراحة لا أتصل به إلا لكي أرسل إليه مريضاً مفلساً (على الحديدة، أو على الأرض يا حكم)، فيستقبله، ويعاينه مجاناً، وفي كثير من الأحيان يعطيه أدوية مجانية من عنده، ويُحَمِّلُه من طرفه إلينا ألف حمل سلام،.. كما كانوا يكتبون في المكاتيب أيام زمان.
قبل نحو أسبوعين من الآن وصل البَلُّ في المرض إلى ذقني أنا، إذ نفرت في ظهري مجموعة من البثور المحمرة، ولم يكن لدي وقت لأسافر إلى حلب، فاتصلت به وحكيت له عما أصابني، فقال:
- أولاً هذه المسألة بسيطة. وثانياً اطمئن غير معدية. اذهب تواً إلى أقرب صيدلية واشتر علبة حبوب ماركة كذا، ودهنة (كريم) ماركة كذا، وخلال أسبوعين في الحد الأقصى ينتهي الإشكال.
سألته، وأنا في كامل التهيب والجد، فهو، في حدود معرفتي، لا يمزح في مثل هذه الأمور:
- وما منشأ هذا المرض دكتور؟
فقال لي: مؤكد أن أحداً ما قد أصابك بالعين!
ضحكت كثيراً بسبب هذه المزحة الطريفة. والحقيقة الساطعة أن موضوع الإصابة بالعين لا علاقة له بالدين، وأنا بوصفي مسلماً، أباً عن جد، لم أصادف قط آية قرآنية أو حديثاً نبوياً، ولا حتى قولاً عن أحد علماء الدين أو الصحابة يتحدث عن مسألة الإصابة بالعين،.. العلم أيضاً لا علاقة له بهذه الفكرة البائسة، ومع ذلك فهي ضاربة أطنابها في مجتمعنا، وبعض الشبان والصبايا- ومنهم يا سيدي دكاترة أصحاب اختصاصات علمية عالية- يتحدثون عنها بوصفها حقيقة غير قابلة للجدل، ولا تعدم من يقول لك وهو يسوي وضعية رأسه بطريقة جبهية وكأنه يتحدث لمحطة تلفزيونية حكومية: العين لها حق!
ومعلوم لدى الجميع أن أكثر الأشخاص المعرضين للإصابة بالعين، بحسب العرف الشعبي، هم الأذكياء الخارقون، والدكتور نشأت خوري، بجد، هو واحد منهم، ولو كانت الإصابة بالعين حقيقة لكان الأجدر به أن يصاب بها قبل أن يصاب بها واحد إمكانياته على قده مثلي!
وعلى سبيل الاستطراد سأتحدث عن شخص غبي جداً، وضحل الثقافة، ومع ذلك قطع شوطاً كبيراً في إقناع شرائح اجتماعية كبيرة في بلدنا بأنه فهيم، أو كما كان المرحوم سهيل نور يقول: ضليع ومليء ومتمكن!
ذات مرة حضر إلى المركز الثقافي محاضر ذو مستوى أكاديمي رفيع، وألقى محاضرة ذات طبيعة أكاديمية تخصصية، أنا، على سبيل المثال، بذلتُ جهداً كبيراً حتى تمكنت من استيعاب ربع الأفكار التي وردت فيها.
ولكن ما لفت نظرنا أن الشخص الغبي الذي حدثتكم عنه كان يتابع المحاضرة باهتمام جم، وكان يهز رأسه كلما انتهى المحاضر من عرض إحدى الأفكار، مرفقاً الهزة بابتسامة رضا هائلة.
فجأة التفت صديقي المخرج المسرحي مروان فنري نحوي وهمس لي:
- انظر فلاناً الفلاني كيف يهز رأسه ويبتسم. الآن إذا دخل أحد ما من خارج القاعة ورآه على هذه الحالة فإن أول شيء سيتبادر إلى ذهنه هو أنه يفهم ما يقوله المحاضر ويستوعبه!
أجبته ببرود: المشكلة ليست هنا يا أبا الفوز. المشكلة هي أنه يهز رأسه أمام الناس دون خشية أو وجل. أنا لو كنت مكانه لتظاهرت بالغباء والجهل.. يا أخي العين لها حق!
يتبع..
خطيب بدلة
بقلم: خطيب بدلة
من أجمل الأشخاص الذين تعرفت عليهم خلال السنوات العشر الماضية طبيبٌ بارع في اختصاصه، جميل في تعامله، صديق لا يشبه أحداً بين الأصدقاء، اسمه نشأت خوري، وهو في مدينة حلب وريفها أشهرُ بكثير من أن يُعَرَّف.
وإن كنت لا ألتقي بالصديق نشأت خوري إلا قليلاً- بحكم إقامتي الأزلية في إدلب الخضراء التي يسميها البعض (مقبرة المواهب)-.. ولكنني أكلمه في الموبايل غالباً. ومعروف عنه أنه بمجرد ما يدخل العيادة يسحب فيش الهاتف الأرضي، لأنه لا يستطيع استقبال المزيد من المرضى خلال وقت الدوام، وبالنسبة للموبايل فهو لا يرد إلا على أشخاص قلة، منهم الداعي لكم،.. وأنا بصراحة لا أتصل به إلا لكي أرسل إليه مريضاً مفلساً (على الحديدة، أو على الأرض يا حكم)، فيستقبله، ويعاينه مجاناً، وفي كثير من الأحيان يعطيه أدوية مجانية من عنده، ويُحَمِّلُه من طرفه إلينا ألف حمل سلام،.. كما كانوا يكتبون في المكاتيب أيام زمان.
قبل نحو أسبوعين من الآن وصل البَلُّ في المرض إلى ذقني أنا، إذ نفرت في ظهري مجموعة من البثور المحمرة، ولم يكن لدي وقت لأسافر إلى حلب، فاتصلت به وحكيت له عما أصابني، فقال:
- أولاً هذه المسألة بسيطة. وثانياً اطمئن غير معدية. اذهب تواً إلى أقرب صيدلية واشتر علبة حبوب ماركة كذا، ودهنة (كريم) ماركة كذا، وخلال أسبوعين في الحد الأقصى ينتهي الإشكال.
سألته، وأنا في كامل التهيب والجد، فهو، في حدود معرفتي، لا يمزح في مثل هذه الأمور:
- وما منشأ هذا المرض دكتور؟
فقال لي: مؤكد أن أحداً ما قد أصابك بالعين!
ضحكت كثيراً بسبب هذه المزحة الطريفة. والحقيقة الساطعة أن موضوع الإصابة بالعين لا علاقة له بالدين، وأنا بوصفي مسلماً، أباً عن جد، لم أصادف قط آية قرآنية أو حديثاً نبوياً، ولا حتى قولاً عن أحد علماء الدين أو الصحابة يتحدث عن مسألة الإصابة بالعين،.. العلم أيضاً لا علاقة له بهذه الفكرة البائسة، ومع ذلك فهي ضاربة أطنابها في مجتمعنا، وبعض الشبان والصبايا- ومنهم يا سيدي دكاترة أصحاب اختصاصات علمية عالية- يتحدثون عنها بوصفها حقيقة غير قابلة للجدل، ولا تعدم من يقول لك وهو يسوي وضعية رأسه بطريقة جبهية وكأنه يتحدث لمحطة تلفزيونية حكومية: العين لها حق!
ومعلوم لدى الجميع أن أكثر الأشخاص المعرضين للإصابة بالعين، بحسب العرف الشعبي، هم الأذكياء الخارقون، والدكتور نشأت خوري، بجد، هو واحد منهم، ولو كانت الإصابة بالعين حقيقة لكان الأجدر به أن يصاب بها قبل أن يصاب بها واحد إمكانياته على قده مثلي!
وعلى سبيل الاستطراد سأتحدث عن شخص غبي جداً، وضحل الثقافة، ومع ذلك قطع شوطاً كبيراً في إقناع شرائح اجتماعية كبيرة في بلدنا بأنه فهيم، أو كما كان المرحوم سهيل نور يقول: ضليع ومليء ومتمكن!
ذات مرة حضر إلى المركز الثقافي محاضر ذو مستوى أكاديمي رفيع، وألقى محاضرة ذات طبيعة أكاديمية تخصصية، أنا، على سبيل المثال، بذلتُ جهداً كبيراً حتى تمكنت من استيعاب ربع الأفكار التي وردت فيها.
ولكن ما لفت نظرنا أن الشخص الغبي الذي حدثتكم عنه كان يتابع المحاضرة باهتمام جم، وكان يهز رأسه كلما انتهى المحاضر من عرض إحدى الأفكار، مرفقاً الهزة بابتسامة رضا هائلة.
فجأة التفت صديقي المخرج المسرحي مروان فنري نحوي وهمس لي:
- انظر فلاناً الفلاني كيف يهز رأسه ويبتسم. الآن إذا دخل أحد ما من خارج القاعة ورآه على هذه الحالة فإن أول شيء سيتبادر إلى ذهنه هو أنه يفهم ما يقوله المحاضر ويستوعبه!
أجبته ببرود: المشكلة ليست هنا يا أبا الفوز. المشكلة هي أنه يهز رأسه أمام الناس دون خشية أو وجل. أنا لو كنت مكانه لتظاهرت بالغباء والجهل.. يا أخي العين لها حق!
يتبع..
خطيب بدلة
الأربعاء مارس 01, 2017 5:19 pm من طرف بداية المشوار
» اشتقت اليكم
السبت مايو 16, 2015 8:18 pm من طرف الختيار
» فقدناكم عساكم بخير
الجمعة يناير 23, 2015 10:33 pm من طرف الختيار
» مشروع قانون جديد يتعلق بدخول العرب والأجانب إلى سورية
الأربعاء نوفمبر 20, 2013 8:59 pm من طرف بداية المشوار
» أبشع جريمة في تاريخ البشرية
السبت نوفمبر 02, 2013 11:08 pm من طرف بداية المشوار
» زيادة الرواتب بسوريا
السبت يونيو 22, 2013 2:57 pm من طرف بداية المشوار
» قطرة عسل
الجمعة مايو 10, 2013 6:56 pm من طرف بداية المشوار
» غادرت الحنونة وتركت لي الحسرة
الأربعاء مايو 01, 2013 7:06 am من طرف بداية المشوار
» اكتشاف مكان طوفان نوح
الإثنين أبريل 29, 2013 10:36 am من طرف بداية المشوار
» الحب درجات
الأربعاء أبريل 24, 2013 10:16 am من طرف بداية المشوار
» كيف تتخلص من كرشك
الثلاثاء أبريل 16, 2013 10:36 pm من طرف بداية المشوار
» فضائل يوم الجمعة
الجمعة أبريل 12, 2013 11:07 am من طرف بداية المشوار
» فضل الله
الأربعاء أبريل 10, 2013 8:57 am من طرف بداية المشوار
» فضل تلاوة القرآن
الإثنين أبريل 08, 2013 10:52 pm من طرف بداية المشوار
» بروكسي جديد لكسر المواقع الإباحية
الثلاثاء يناير 15, 2013 12:07 am من طرف بداية المشوار
» فضائل يوم الجمعة
الإثنين يناير 14, 2013 11:59 pm من طرف بداية المشوار
» أسماء المَدِيْنَة المُنَوَّرَة
الإثنين يناير 14, 2013 11:54 pm من طرف بداية المشوار
» الأعمى والربيع
الثلاثاء يناير 08, 2013 8:09 pm من طرف نضال64
» النسر الدجاجة
الثلاثاء يناير 08, 2013 8:06 pm من طرف نضال64
» لا واسطة في أمر الدعاء
الجمعة يناير 04, 2013 9:31 pm من طرف بداية المشوار
» كاظم الساهر : موال يا دنيا انتي الحرمتني
الخميس ديسمبر 20, 2012 10:42 am من طرف بداية المشوار
» مما قرأته و اعجبني
الخميس ديسمبر 20, 2012 10:38 am من طرف بداية المشوار
» هذا ديني . . الاسلام
الثلاثاء ديسمبر 11, 2012 11:19 pm من طرف بداية المشوار
» تعالالي يا روح امك
الثلاثاء ديسمبر 11, 2012 11:16 pm من طرف بداية المشوار
» كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل
الخميس نوفمبر 29, 2012 1:53 pm من طرف بداية المشوار