الروائي د. صالح رحال ..... ( من مقالة لوالدي )

صفير قاطرة




في ليلةٍ


ظلامُها جهنمٌ , و ظُلْمها طاغيةٌ عجوزْ ,


تمرَّسَتْ ...


فجلدُها مخارزٌ , و شِدْقُها مغارةٌ كتومْ


لُعابُها سوائلُ الجحيمْ


وعينُها ,


كأنما في عينها سدومْ


يقومُ من كَلْكَلِها , من صُلبها و بطنها مُنابذٌ


أو فاجرٌ أو سيّدٌ شَمردَلٌ كريمْ .


يقومُ كلُّ هؤلاء دُفعةً ,


كأنّ في الظلامِ فتنةً و رايةً و جوهرهْ ,


ملفوفةً , مُقمّطهْ ,


تُريد أن ينبشها , أن يُخرِج البهاءْ


مُعلّمٌ و فارسٌ جسورْ ,


يسيرُ كالقضاءْ ,


و رمحُهُ الفلَقْ ,


يشكّهُ في صدْرِ ليلةٍ غَسَق .


و يبدأ الشروقُ ,


مرّةً مُخاتلاً , و مرةً وراء أكْمَةٍ ,


و مرّةً في زَغَبِ السهولْ ,


_8_


كأن شمسَهُ مريضةٌ ,


أو أنها قد حملَتْ بنجمةِ الصباحْ ,


تسيرُ مثلما تسيرُ حاملٌ


في شهرها الأخير .


و حينَ يسطعُ النهارُ طاغياً ,


هواؤهُ انشراحْ


يخضُّنا جميعَنا ,


فتُعشب البطاحْ ,


و تنبتُ الأقاحْ




----




هناكَ طفلٌ و امرأةْ


تشدُّهُ


حتى تطولَ ساقُهُ , و تكبُرَ العظامْ


تمنحُه من ثديها الحياةْ ,


مُغمغِماً مُعربِداً في صدرها


يكونُ بعدها , قد استوى


و شبَّ فيهِ عقلهُ , أهواؤهُ ,


و فتنةٌ يجهلُها من صدرهِ تقومْ .


يقتنصُ الحياةَ واقفاً كرمحِ ( ثعلبهْ ) (1)


و يعبدُ الجمالَ هائماً كأنّهُ ( الخيّامُ )


ساعياً إلى الصَبوحِ و الكؤوسْ,


_9_


و حولَهُ قيناتُه الشموسْ


و كلُّ واحدهْ


في جيدها فلَقْ , و خصرِها حَبَقْ


و حينما تقومُ أو تميل


كأنَّ ألفَ صانعٍ إلهْ


قد فجَّرَ المياه




----




صديقُهُ الذي استوى


في حُضْنِ ( حُرمَةٍ ) مُجاورَهْ


يشدّهُ مصيرُهُ الرجيمْ


لأنْ يكونَ قاطعاً , و قاتلاً ,


و عافساً أترابَهُ الصغارْ


فتُظلمُ الطريقْ ,


و يغبقُ الغُبارْ .


و ثالثٌ يُقطِّعُ الزمانْ,


قراءةً , مَحْبرَةً , كتابةً ,


يُجمّعُ الحروفَ , و التجاربَ الحَرونْ,


مُنظِّراً هنا و صانعاً هناكْ


يقولُ : بالقدَرْ ,


و تارةً : ( بوحدةِ الوجودْ )


و مرّةً ثالثةً :


_10_


( بوحدةِ الشهودْ )


و رابعٌ يسيرُ في الحياة راكعاً ,


كأنه السجودْ ,


لا يعرفُ الصباحَ و الضياءْ ,


حياتُهُ خواءْ .


و في الطريقِ طفلةٌ


دمّرها الشقاءْ,


يتيمةٌ , حافيةٌ تعيش في البلاءْ


نهارُها مساءْ ,


و ليلُها بُكاءْ ..


و سادسٌ يُخاطِبُ الجموعْ


و يشرحُ الحياةَ و الطريقْ


و سابعٌ قصيدةٌ , خابيةٌ من الرحيقْ


و حين يبدأُ الغروبُ هابطاً


و يظهرُ الشحوبْ,


علامةٌ , علامتان للمصير ,


نكون كلُّنا كأننا ( حَصير )


منسوجةٌ من الترابْ ,


أضلاعُها الضبابْ


و بطنُها يَبابْ


و كلُّها في كلّها خرابْ


لا أحدْ


لا أحدْ


_11_


لا أحدْ


و ينتهي الصفيرْ ...