هل يعقل أن يبيع العربي ذمته

هل يعقل أن يبيع العربي ذمته؟!
قبل زمن ليس بالبعيد كنت أتفرج على إحدى المحطات الأردنية (الشقيقة طبعاً)، وكانت تبث، على الهواء مباشرة، برنامجاً حوارياً له علاقة بالانتخابات البرلمانية الأردنية التي كانت تجري- في ذلك الوقت - على قدم وساق.
وإذا كان أجدادنا العرب الميامين الذين عاشوا في الصحارى والقفار قد أطلقوا على النقطة الحساسة في أي سياق (مربط الفرس)، فإن علينا، بعدما تطور الغربُ الصناعي، العلماني، واخترع السيارات، واشتريناها نحن بحُرِّ مالنا، ومن كثرتها ما عدنا نعثر لها على مكان لنكرجها،.. علينا أن نسمي النقطة الحساسة في أحاديثنا (مرآب السيارة).
إن (مرآب السيارة) في هذا الحديث هو أن ضيف الحوار الذي شاهدته على القناة الأردنية الشقيقة كان رفيقاً شيوعياً، مرشحاً عن حزبه في إحدى الدوائر الانتخابية، وكان الحديث مع (الرفيق) يتطرق مرة إلى الديمقراطية، ومرة أخرى إلى الفساد السياسي الذي ينغص على الديمقراطية القائمة عيشها الكريم.
برأيي المتواضع أن أول شيء جدير بالحفاوة في هذا البرنامج، وغيره من البرامج التي تقدمها بعض المحطات العربية الأخرى، هو ظهور (الرفاق) الشيوعيين على الشاشات التلفزيونية العربية، وهم في كامل أبهتهم، وصحتهم الجسدية والنفسية، حتى إنهم، في الأغلب، يضعون على صدورهم ربطات عنق (كرافات) أنيقة، مثلهم مثل باقي عباد الرحمن (المُكَرْفَتين).
مرت عقود من الزمان، ربما وصلت إلى تسعة عقود، والأنظمةُ العربية التقدمية، كنظام الوحدة العربية بين مصر وسورية، وغيره من الأنظمة الاشتراكية العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، والأنظمة الملكية التي كان التقدميون يصفونها بأنها (رجعية)، كلها، ودون استثناء، تتربصُ بالشيوعيين الدوائر، والمواطن العربي الذي كان يتعرض لتقرير أمني أكبر من ملحفة اللحاف على أنه شيوعي- ومعظم كتاب التقارير يلفظونها (شوعي)- كان يُلقى به في غياهب السجن، ويُعذب، وتنتزع منه الاعترافات الصحيحة وغير الصحيحة، فلا يغادر السجن إلا وتكون العرب قد اصطلحت، ومعلوم أن العرب لا تصطلح!..، وقصة تذويب الرفيق اللبناني فرج الله الحلو بالأسيد في سجن الوحدة العربية (اللي ما يغلبها غَلاب) بالمزة، ما تزال، بالنسبة للتاريخ المعاصر، طازجة.
وقد رويت في مطلع الستينيات من القرن الماضي طرفة معبرة جداً.. عن بدوي من العشائر الأردنية جاء ليزور بعض أقاربه في سورية، وكانت ثورة آذار (مارس) 1963 قد قامت، وبما أنها كانت تطرح شعار الاشتراكية من بين شعاراتها، فقد ظن الكثيرون أنها ثورة (شيوعية).. فلما مثل البدوي أمام المفرزة الأمنية السورية الحدودية، وسأله رئيس المفرزة عن انتمائه السياسي، أراد البدوي أن يداهن النظام السوري الجديد، ويحفظ خط الرجعة مع ملك بلاده، فقال: آني شنوعي من حزب جلالة الملك!
تحدث الرفيق (الشوعي) في ذلك الحوار عن الفساد والمال السياسي الأسود الذي يقوم بعض المرشحين بسفحه على الأرض لشراء ذمم الناخبين، والبعثات الدراسية التي هي من حق أبناء الشعب الأردني، في حين أنها تُعطى لأبناء المتنفذين من أصحاب المال السياسي الأسود ومن لف لفهم.
هذا الكلام- مع احترامي لذلك الرفيق- ليس دقيقاً، ويحتاج إلى مراجعة جذرية. ذلك أن أية عملية شراء الذمم والضمائر، سواء أكان ذلك في الأردن الشقيق، أم في أية دولة عربية، إنما هي- منطقياً- عمليةٌ تجارية تعتمد على مبدأ العرض والطلب، وبما أننا عرب، والشعر ديواننا، فلا بد لنا من أن نتمثل قول شاعرنا القديم: (لنا الصدرُ دون العالمينَ أو القبرُ)، وقول الشاعر الآخر (صنتُ نفسي عما يدنسُ نفسي)، وقول الشاعر الثالث (عشْ عزيزاً أو متْ وأنتَ كريمٌ)، وقول شاعرتنا المعاصرة (يا حبك انته يا إما بلاش.. ما استغناش عنك).. فإن أولئك الأشخاص الذين يعرضون استعدادهم لشراء الضمائر، لن يجدوا شخصاً عربياً واحداً يبيعهم ضميره، مستحيل!.. يعني هذا (عرض بلا طلب!)..
وحتى إن وجد مثل هذا الشخص، التافه، الحقير، الذي يبيع ناموسه وكرامته، فالحري بنا أن ننقب في حسبه ونسبه وأصله وفصله ومحتده، وأنا كفيل بأنه سيظهر في المحصلة أنه- والعياذ بالله- غير عربي!
خطيب بدلة